السؤال:
هل أن الصفات السلبية ترجع الى الصفات الثبوتية ؟
الجواب:
نعم، ترجع الصفات السلبية إلى الصفات الثبوتية، وبيان ذلك:
ألِفت الدراسات التوحيدية تقسيم الصفات الألوهية إلى ثبوتية وسلبية، والثبوتية إلى صفات ذاتية وفعلية.
قد يعبّر عن الصفات الثبوتية التي تثبت لله (سبحانه) بالصفات الجمالية، على حين يُعبّر عن الصفات السلبية التي تُنزّه الذات الإلهية عن الاتّصاف بها بالصفات الجلالية أو التقديسية، وذلك في استيحاء يعود إلى قوله (جلّ جلاله): {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ}(1)، حيث يستفيد بعضهم بأنّ «الإكرام» إشارة إلى الصفات الجمالية التي تكرّمت بها الذات الإلهية وتجمّلت بها، في حين أنّ «الجلال» فهو ما جلّت ذاته وتنزّهت عن الاتصاف به.
أمّا القاعدة المنهجية في التعاطي مع الصفات السلبية فمرجعها في الحقيقة إلى القاعدة الأساسية التي تضبط الرؤية إلى الصفات الإيجابية، فلا يمكن أن تُسلب الذات الإلهية عن أي وجود أو كمال وجودي، بل له (جلّ ثناؤه) من كلّ ذلك أشرفه وأسماه وأكمله بمقتضى القاعدة القرآنية التي يقرّرها قوله (سبحانه): {اللهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}(2)، فكلّ ما هو أحسن من وجود أو كمال وجودي فهو ثابت له سبحانه. فما في الوجود من كمال كالعلم والقدرة والحياة ونحوها ممّا تقدّم من الصفات الكمالية، فهو ثابت لله (جلّ وعلا) على نحو يليق بساحة قدسه وجماله، وفق قاعدة بسيط الحقيقة كلّ الأشياء، وما يحف ذلك من ضروب الاستدلال العقلي والنقلي.
على ضوء القاعدة هذه فإنّ كلّ ما يسلب عنه (سبحانه) من الصفات لا يمكن أن يرجع إلى وجود أو كمال وجودي، بل لابدّ أن يرجع إلى سلب وإلى عدم وإلى نقص. فنحن في سلب الصفات السلبية إنّما نسلب عنه (سبحانه) الأعدام والنقائص، وننزّه ذاته عن كلّ نقص وعيب. ومن الواضح أنّ مرجع سلب العدم إلى الإثبات وإلى الوجود. فحين نقول سلبت الجهل عن زيد فمعنى ذلك ولازمه إثبات العلم له، لأنّ الجهل هو عدم العلم، وسلب عدم العلم عن زيد يعني إثبات العلم له. على الغرار ذاته عندما تسلب عن الله (جلّ جلاله) الصفات السلبية، ويقال مثلاً إنّ الله ليس بجسم، وإنّه لا مكان له ولا زمان، وإنّه ليس لله حدّ، ولا يحلّ في شيء ولا يحلّ فيه شيء، وإنّه (تقدّست أسماؤه) لا نِدَّ له ولا مثيل ونحو ذلك، فإنّ مرجع كلّ هذه إلى سلب نقص وسلب عدم وعيب، ومن ثمّ فهي ترتدّ إلى إثبات الوجود.
هذا المعنى يؤكّده الباحثون في الفكر التوحيدي على صعيد ما يقدّمونه من دراسات عقلية وفلسفية مختصّة، وهو أن السلوب وإن تعدّدت فهي ترجع بأجمعها إلى سلب واحد هو سلب الإمكان وسلب الفقر، فإذا سلبنا الإمكان والفقر عن الله (جلّ جلاله) فقد أثبتنا له الغنى المطلق، وهو الغنيّ الحميد. أجل، تعدّدت الحيثيّات في الصفات السلبية، فنقول: إنّ الله (سبحانه) لا ندَّ له ولا ضدّ، ولا شريك له ولا مثيل، ولا مكان له ولا زمان، ومرجع ذلك إلى صفات إمكانية، وكلّ ما يتعلّق بالممكن من وجود أو كمال وجودي أو عدم فالله منزّه عنه.
لهذا الفهم أساسه القرآني ومنطلقه الذي يؤطّره من كتاب الله، كما في قوله (سبحانه): {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(3). فهذه الآية تصوغ قاعدة أساسية مفادها أنّ الله (جلّت قدرته) يسلب عن نفسه هذه الصفة الأصلية المتمثِّلة في أنّه لا يوجد له مثل.
وكذلك لهذا الفهم أساسه الروائي، فالمنطلق في النصوص الروائية تنزيه الله (تقدّست أسماؤه) عن شوب الممكنات انطلاقاً من الأساس ذاته الذي اجتمع عليه البرهان والقرآن، وعبّر عنه القرآن بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(4). بمعنى أنّ العقل والنقل أو البرهان والبيان، يلتقيان عند أساس واحد في المسألة، كما يلتقي على الأساس نفسه القرآن والحديث، ليتحوّل ذلك إلى إطار تنزيهي ضخم ومكثّف يحيط الذات الإلهية، لكن مع فارق أنّ النصوص الروائية تبلغ المدى الأقصى في إشباع المسألة من جوانبها المتعدّدة وتستوفي أبعادها المختلفة عبر تطبيقات واسعة، كما توضح الأمثلة والنصوص، وأحد هذه النصوص:
يقول الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: «لا يقال كان بعد أن لم يكن فتجري عليه الصفات المحدثات، ولا يكون بينها وبينه فصل ولا له عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع ويتكافأ المبتدَع والبديع»(5).
ينطلق النصّ في تنزيه الله (سبحانه) من نفي صفات المخلوقات أو المصنوعات عنه ممّا يتساوق مع النقص والحاجة والفقر، وإلاّ إذا جرت عليه صفات الحدثان لا يمكن أن يكون هو الله الغني الذي ليس كمثله شيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الرحمن 78 .
(2) طه 8 .
(3) الشورى 11 .
(4) الشورى 11 .
(5) نهج البلاغة الخطبة 186 .