مقالات: العنف في مرحلة المراهقة مرتبط بالمشروبات الغازية      •      التكامل في المراقبة الباطنية      •      الحسيـن ثورة      •      برنامج الصائم العبادي من خطبة الرسول (ص)      •      عيد الفطر السعيد      •      مسائل وردود: في ضمان الأكل بعد موت صاحب البستان وتقاسم الورثة      •      لماذا لم يُستَجَب دُعائي؟      •      في الإختلاط بين الجنسين      •      ما المقصود بنحوسة الليالي ؟      •      أخذ الأجرة على تعليم الحجاج مناسك حجهم      •     

مقالات متفرقة «
» مستقبل القراءة في عصر التكنولوجيا
» الكاتب: د. أحمد عيسى - قراءات [ 15287 ] - نشر في: 2011-04-08           [طباعة] [إرسال لصديق]


          هيمن الكتاب المطبوع قروناً على مصادر المعرفة، لكنه الآن يواجه منافسة الكتاب الإلكتروني ذي التقنيات العالية، هل سيظل هناك أوفياء للكتاب التقليدي أو أننا في بضع سنين سنقرأ مجلة ما على شاشات الأجهزة الصغيرة فقط؟ وهل سيؤثر ذلك بالسلب أو الإيجاب على الجاذبية للقراءة خاصة بين أوساط الناشئين والشباب؟


          إنّ جهاز "قارئ الكتب للجيب" ماركة "سوني" يزن 220 جراماً، ويحوي 350 كتاباً، لو فرضنا أن متوسط وزن الرواية 340 جراماً فإنّ هذا يعني أنّ ذلك الجهاز الصغير يحمل ما يكافئ 119 كيلوجراماً من الكتب داخل جيبك! وهو وزن مجموعتين كاملتين من كل دائرة المعارف البريطانية.


          واعتبر منظو معرض الكتاب الإلكتروني في اليابان هذا العام المعرض إيذاناً ببدء ثورة النشر الإلكتروني في اليابان نظراً لمشاركة ألف شركة من نحو 30 دولة في الحدث.


الحقائق:


تقوم "جوجل" حسب مجلة "الإيكونمست" بمسح الكتب إلكترونياً في 13 جامعة، وعرف عن جامعة واحدة منهنّ أنّ المسح فيها بمعدل ثلاثة آلاف كتاب يومياً، والعدد السنوي على الأقل هو مليون كتاب تم مسحه رقمياً، ويقدر العدد الكلي للكتب كلها (ما مسح وما لم يمسح) بحوالي 65 مليوناً، وهذا يبرر السبب في اقتحام الكتاب الإلكتروني الأسواق منذ أكثر من عشر سنوات، لكن النجاح الذي يلقاه حالياً يعود إلى إبتكار شاشات لهذه الكتب تُضاهي الصفحات الورقية للكتب التقليدية، وشهد الكتاب الإلكتروني أكبر نجاحاته في أمريكا مع شركة "أمازون"، فجهازها "كيندل" يفتح الطريق للقارئ للوصول إلى نصف مليون عنوان بنصف أسعار الكتب الورقية تقريباً، وكذا يمكن شراء الكتب والصحف بواسطة مثل هذه الأجهزة الإلكترونية عبر الإنترنيت.


          أمّا شركة "أبلْ (Apple) فقد عرضت على زبائنها جهاز "آي باد"، وهو لوحة متعددة الوظائف لا تستخدم الحبر الإلكتروني، لكن تسمح بمشاهدة الصور والأفلام وقراءة الكتب، وأيضاً بالوصول إلى شبكة الإنترنيت.


          وإستناداً إلى مدير معرض كتاب نيويورك 2009م فإنّ الكتاب الرقمي "هو الرائج اليوم؛ حيث تسمح القراءة الإلكترونية بتوفير مضمون الكتاب العادي بسعر أدنى، ولا يتطلب الأمر طباعة كتب أو نقلها وتخزينها".


الجامعات:

          مع شيوع أجهزة الكمبيوتر، باتت فكرة الكتاب الرقمي واقعاً ملموساً بالنسبة للعديد من الجامعات في أنحاء العالم، إذْ تُدرك هذه الجامعات أنّ الطلاب أكثر إلتصاقاً بالإنترنيت، وأنّهم يُفضلون شاشات الكمبيوتر للإطلاع على الكتب بدلاً من المشيء بين رفوف الكتب لمعاينة ما يريدون قراءته وتصفحه، وإستجابة لهذا التحول النوعي، تختار العديد من الجامعات ترقيم مكتباتها، وبدلاً من الذهاب إلى المكتبة فعلياً، والبحث عن كتاب الفهرس ثمّ إستعارته، بات من الممكن بالنسبة لهم أن يبحروا عبر الموقع الإلكتروني للجامعة، وبات بإمكانهم الحصول على نسخة رقمية منه على شاشاتهم.


          فجامعة "فرجينيا" وفرت ما يقارب من 70 ألف كتاب رقمي للطلاب وغيرهم، ويمكن الوصول إلى هذه الكتب عبر زيارة موقعها الإلكتروني.


          وتقوم جامعة (McGill) في "مونتريال" بكندا بإتّخاذ خطوات مماثلة؛ إذ إنها تقوم بتحويل عدد متزايد من كتبها إلى نسخ رقمية، وقد تمكّنت هذه الجامعة حتى الآن من تحويل ما بين 20-30 ألف كتاب إلى "كتب رقمية".


          وقد بدأ العديد من البلدان الأوروبية في السير على خطى أمريكا وكندا من حيث بناء المكتبات الرقمية، فقد أقامت فرنسا، خادم "جاليكا" الإلكترونيhttp://gallica.bnf.fr/?lang=en  لتسهيل الوصول إلى المجموعات الرقمية الموجودة بـ"دار الكتب القومية" الفرنسية.


          كما أقامت ألمانيا مشروع المكتبات الرقمية، وخصّصت مبلغ 35 مليون دولار للسنوات الست القادمة، وأنشأ إتحاد دور النشر الألمانية موقعاً إلكترونياًhttp://www.libreka.de يضم نحو 25 ألف كتاب رقمي، وبالإضافة إلى ذلك، قامت كل من إسبانيا والسويد وفنلندا وروسيا بتحديث نظم المكتبات عندها بحيث باتت معظم الموارد المعرفية الرقمية لهذه البلدان متوافرة على شبكة الإنترنيت.


الإنترنت:

          ليست المكتبات الرقمية للجامعات سوى جزء صغير من الصورة الكبيرة؛ إذ تخطط "جوجل" لترقيم ملايين الكتب خلال السنوات التالية، في إطار ما يُعرف بإسم مشروع "جوجل" للمكتبات "www.print.google.com" وقد انغمس فريق العمل بالتعاون مع عددٍ من كبريات دور النشر الأمريكية والبريطانية، مع عددٍ من المكتبات، ومع الجامعات في بناء قاعدة بيانات رقمية، وتأمل "جوجل" في أن توفر الكتب الرقمية بلغات أخرى غير الإنجليزية، وتقوم بمسح ملايين الوثائق التي تحصل عليها مسحاً إلكترونياً، وتعرضها رقمياً عبر الإنترنيت، لكن هناك مشكلات تعترض طريق تعميم وإشاعة إستخدام التكنولوجيا الرقمية، فبعض الناشرين لا يسمحون سوى بعرض أجزاء من منشوراتهم، وقد دخلت "ياهو" هي الأخرى عالم النشر الرقمي.


          بدأت هذه التكنولوجيا تنتشر حتى في المدارس، فقد افتُتحت أوّل مدرسة موصولة لا سلكياً في أمريكا، وهي مدرسة "إمباير" الثانوية بولاية "أريزونا"، حيث تم توزيع أجهزة كمبيوتر محمولة على الطلاّب لإستخدامها طوال السنة بدلاً من توزيع كتب مدرسية إعتيادية عليهم، وقد قامت المدرسة بشطب كل الكتب التقليدية، بإستثناء بعض المراجع، من المنهج التعليمي وفي حين أنّ الفصول أصبحت رقمية بالكامل، فإنّ المدرسة ما زالت تحتفظ بمكتبة تقليدية، ويسير الكثير من المدارس في أنحاء العالم على الطريق نفسه، فقد أعلن رئيس الوزراء التايلاندي مؤخراً أن حكومته تهدف إلى تزويد كل تلميذ في المرحلة الإبتدائية بجهاز كمبيوتر محمول.


الخطورة و البديل:

          قراءة الأطفال تراجعت وليس الكمبيوتر هو السبب الوحيد، ولكن القراءة التقليدية للمطبوعات خسرت أمام الصور المتحركة، وأيضاً أمام كلمة الشاشة، فحين يقضي الناس الساعات أمام بريدهم الإلكتروني أو الـ"فيسبوك" فهم في الحقيقة يقرؤون كميات ضخمة.


          وفي إستبيان لأكثر من ألفي طفل وشاب بريطاني تتراوح أعمارهم بين 8-18 وجد أنهم يقضون الأوقات الآتية أمام أنواع الشاشات المختلفة يومياً: ما يقرب من 7.5 ساعات بإستخدام وسائل الترفيه الإعلامية. منها 4.5 ساعات مشاهدة التلفزيون، وساعة ونصف الساعة على الكمبيوتر، وأكثر من ساعة في ألعاب الفيديو، في حين كانت مدة القراءة يومياً من المطبوعات 38 دقيقة فقط.


          وفي دراسة قام بها معهد التربية بتكليف من الحكومة البريطانية بحثت تقييم المعلم لتطور الطفل بعد عام واحد في المدرسة، وتقييم القدرات الإدراكية لدى ما يزيد على 8000 طفل أعمارهم خمس سنوات، واستخدمت أيضاً إستبياناً لتقييم سلوك كل طفل، وركزت الدراسة على العوامل التي ترتبط مع الإنجاز في سن الخامسة، وأخذت في الإعتبار "المتغيّرات الأبوية"، مثل كيفية إنفاق الكثير من الوقت في القراءة مع الأطفال، وتعليم الحروف الهجائية والعد، ومشاهدة التلفزيون، وخلص إلى: "القراءة للطفل كل يوم مع وجود الأُم التي يعتقد أنها مهمة لحفز الأطفال الصغار ارتبط إيجابياً مع كل النتائج المعرفية وسلباً ومع مشكلات السلوك"، وقال: "إنّ القراءة للطفل كل يوم تقلل المشكلات السلوكية"، وحقق الأطفال الذين كانت تقرأ لهم الأُم يومياً نتائج أفضل في إختبار تسمية المفردات، كما أدوا أيضاً أفضل في تقويم المرحلة التأسيسية، وحصلوا على أعلى الدرجات في السلوك، في المقابل، فالأطفال الذين يشاهدون ثلاث ساعات أو أكثر من التلفزيون يومياً حققوا أدنى الدرجات في الإختبارات.


بين كتابين:


          سيكون الحديث عن "إنقراض الكتاب الأكاديمي" وتقزم المكتبة الشخصية" أمراً واقعاً في عصر يفضل المعلومات على المعرفة التي تتطلب التحليل والتأويل والرأي الشخصي للمؤلف، وهناك مَن يقول: إن حلول الوسائط التكنولوجية محل الكتاب المطبوع سوف يجعلنا نفقد الكثير من المتعة، ومن ضم الكتاب ولمس وتقليب صفحاته وتخطيط سطوره وكتابة تعليقات على أركانه، أو متعة إهدائه والنوم وهو بين أيدينا كأنّه صديق مقرب، وكذلك متعة الإحساس بالتواصل مع الأجيال السابقة التي تناقلت أيديها الكتاب نفسها، ومتعة شراء الكتب، واللقاء المثير مع بعض الكتب التي شكلت تفكيرنا أو غيرت حياتنا.


          يقول بعض المثقفين: إنّ الكتاب الإلكتروني قد يدعم العملية الأكاديمية والتربوية، فالطالب يستطيع تحميل مكتبة كاملة من الكتب والدوريات في جهاز قارئ الكتب الإلكترونية، وأقول: لكن الوصول إلى المعلومة لا يعني قراءتها وتحليلها، وإن كان بعض الناس يدّعي أنّ الكتاب الإلكتروني سيزيد من إقبال الطلاب الذين يعدون أبحاثاً لسهولة البحث والإسترجاع فيها.

 
إلى أعلى إلى الخلف - Back

 

أنت الزائر رقم
2242